فاينانشيال تايمز: رفع سعر الوقود قربان مصر للحصول على قرض صندوق النقد
الخطوة تجيء في إطار التدابير التقشفية التي تتخذها القاهرة لتأمين الحصول على قرض صندوق النقد الدولي والبالغ قيمته 12 مليار دولار على مدار 3 سنوات.
هكذا رأت صحيفة " فاينانشيال تايمز" البريطانية القرار الذي اتخذته الحكومة المصرية برفع أسعار الوقود والذي دخل حيز التنفيذ ابتداء من منتصف ليل اليوم الجمعة بالتوقيت المحلي لمدينة القاهرة،
ويجيء القرار بعد سويعات من قرار البنك المركزي المصري تحرير سعر صرف الجنيه أمام العملات الأخرى فيما يُعرف بـ " تعويم العملة".
وذكرت الصحيفة أن سعر البنزين 92 ارتفع بموجب القرار بنسبة 34.6% إلى 3.5 جنيها ( 0.2258 دولار) من 2.6 جنيها في اللتر الواحد، في حين سيزيد بنزين 80 بنسبة 46.8% إلى 2.35 جنيها من 1.6 جنيها.
وسيقفز سعر السولار إلى 2.35 جنيها في اللتر، بارتفاع نسبته 30.5% من 1.8 جنيها، أما الغاز الطبيعي والذي يُستخدم للمركبات ولكن بدرجة أقل شيوعا، فسيزيد بنسبة 45.5% إلى 1.6 جنيها للمتر المكعب، بارتفاع من 1.1 جنيها.
وأضاف الصحيفة في تقرير نشرته اليوم الجمعة على موقعها الإليكتروني أن رفع أسعار الوقود هو القرار الثاني من نوعه الذي تتخذه مصر في التاريخ الحديث، بعدما أقدمت في العام 2014 على زيادة أسعار الطاقة بنسبة وصلت إلى 78% لتخفيف عجز الموازنة.
وذكرت الحكومة آنذاك أنها سترفع دعم الوقود نهائيا خلال 5 أعوام، لكن الانخفاض في أسعار النفط العالمية قد أجبرها على إرجاء القرار. ويلتهم دعم الغذاء والطاقة رُبع الإنفاق الحكومي في مصر.
ولجأت مصر أمس إلى خفض عملتها المحلية بمعدل الثلث، وسمحت بتحرير سعر صرف الجنيه أمام العملات الأخرى، في مسعى لمكافحة السوق السوداء للدولار.
وخفض البنك المركزي سعر الجنيه بنسبة 32%، في وقت حدد فيه سعر الصرف الرسمي عند 13 جنيها مقابل الدولار الأمريكي، قياسا بـ 8.88 جنيها في السابق. ورفع المركزي أيضا سعر الفائدة بمعدل 300 نقطة أساسية إلى 14.75%.
ورحب ياسون توفي، الخبير الاقتصادي في مؤسسة " كابيتال إيكونوميكس" بقرار رفع أسعار الوقود، قائلا إنه سيزيد جاذبية الاقتصاد المصري. وأضاف توفي:" بالنسبة للمستثمرين، يعد هذا دليل على أن الحكومة لديها رغبة في المضي قدما في تنفيذ الإصلاحات، وتبني سياسة اقتصادية رشيدة. إنه تطور إيجابي جدا."
وعلق هاني جنينه، رئيس قسم البحوث في مؤسسة " بلتون المالية" بالقاهرة على تلك الخطوة بقوله إنها " ستوقف نزيف الاحتياطي النقدي، كما أنها ستعطي دفعة للاقتصاد العليل، وستجذب الاستثمارات الأجنبية علاوة على قرض صندوق النقد."
وقفز الجنيه المصري بعد التعويم إلى 14 أمام الدولار قبل أن يهبط مجددا، وارتفع مؤشر البورصة المصرية " إيه جي إكس 30" بنسبة تزيد عن 8%، مسجلا أعلى مستوياته في 8 أعوام.
من جهته، قال كريس جارفيس رئيس بعثة صندوق النقد الدولي لمصر والتي تخوض المباحثات مع القاهرة حول القرض، إن " نظام سعر الصرف المرن، الذي يتحدد فيه سعر الصرف بقوى السوق، سيحسن القدرة التنافسية الخارجية لمصر، وسيدعم الصادرات والسياحة وسيجذب الاستثمارات الأجنبية."
وانخفض الاحتياطي الأجنبي لمصر من 36 مليار دولار قبل العام 2011 إلى 19.6 مليار دولار في سبتمبر الماضي، برغم حصول القاهرة على مساعدات بعشرات المليارات من الدولارات من الحلفاء الخليجيين- السعودية والإمارات والكويت.
وقال عمر الشنيطي، العضو المنتدب في مؤسسة " مالتيبلز جروب" بالقاهرة إن تعويم الجنيه أفضل بكثير من وجود فجوة واسعة بين السعر الرسمي ومثيله في السوق السوداء. وانخفض السعر في السوق السوداء أمس الخميس إلى 12 جنيها من أكثر من 18 جنيها في بداية الأسبوع.
لكن الشنيطي حذر من إمكانية أن يقود تحرير سعر الصرف إلى ارتفاع حاد في الأسعار، واضطراب مستمر في العملة، موضحا:" الاستقرار لن يحدث والاستثمارات لن تأتي بين عشية وضحاها. فالأشخاص الذين اشتروا الدولار مقابل 18 جنيها لن يبيعوه إلى البنوك الآن مقابل 13 جنيها، حتى مع أسعار الفائدة الجذابة؟ وسينتظر الكثير من الأشخاص وسيرون ما سيحدث."
وأشار خبراء اقتصاديون أيضا إلى أن تمويلات الحكومة ستتأثر سلبا أيضا بخفض الجنيه نظرا لأن الدولة هي المستورد الرئيسي للسلع الغذائية والوقود، كما أن التزاماتها الخاصة بالديون محسوبة بالدولار.
كانت كريستين لاجارد، مديرة صندوق النقد الدولي قد أكدت مؤخرا أن مصر باتت " قريبة جدا" من تأمين التمويلات اللازمة للحصول على قرض الصندوق البالغ قيمته 12 مليار دولار، مضيفة أنها تأمل في أن يوافق صندوق النقد على طلب القاهرة للحصول على القرض في غضون أسابيع قليلة.
تجيء تصريحات لاجارد في الوقت الذي يكافح فيه المسؤولون في مصر لتجاوز أزمة العملة الصعبة والتي تؤثر سلبا على نشاط الشركات، وتزيد مخاوف من ارتفاع معدلات التضخم في البلد الأكثر تعدادا للسكان في العالم العربي.
وذكرت لاجارد الشهر الفائت أن مصر تحتاج إلى التعامل مع السياسات المتعلقة بسعر الصرف والدعم، ما أثار تكهنات بأن صانعي القرار في البلد الواقع شمالي إفريقيا سيقدمون على خفض سعر العملة المحلية ورفع أسعار الطاقة قبل الحصول على دعم صندوق النقد الدولي.